
تأليف الطالبة سارة أحمد الجلنداني
الصف الثاني عشر1
قصة بعنوان حكاية وطن
في إحدى القرى الصغيرة التي تقع بمحاذاة الوادي ، وتكسوها أشجار النخيل ، وزهور شجرة الشوع المنسدلة على الأرض ؛ لتقبل الحشائش الخضراء ، تعيش العديد من الأسر الفقيرة والأسر ذوات الطبقة المتوسطة في أزمة شديدة ، أزمة نقص المياه ، فالآبار قد جفت ، ومنسوب مياه الأفلاج بدأ يقل ، والأشجار ذبلت ، ولكن جميع أهل القرية متعاونون ، يسودهم الحب والإخاء فيما بينهم ، وما إن يهطل المطر، حتى يعلن عن بداية حياة جديدة ، فتخصب التربة ، وتصبح الأشجار خضراء يانعة ، فيجتمع جميع أهل القرية لتناول وجبة العشاء اللذيذة والشهية تحت شجرة الغاف ، التي نبتت بالقرب من مزرعة الشيخ الكبيرة .
وهناك في ذلك العريش الصغير ذي الباب الخشبي الذي أنهكه الزمن ، تخر المياه من سقفه عند هطول المطر، وعلى حيطانه المصنوعة من خامات النخيل المتعبة ، وأرففه التي باتت الزواحف تعدها المأوى الوحيد لها ، نسجت العناكب بيوتها الشبكية ، وعلى تلك الفرش المرقعة ، يصحو حمد وزوجته فاطمة في كل صباح ، على صوت صياح الديك ، فتذهب فاطمة لرعي الأغنام ، وجلب الحطب والماء ، ويذهب حمد إلى المزرعة ؛ ليساعد والده سعيد وإخوته في الحراثة والسقي ، فهذا هو الروتين اليومي المعتاد لأغلب أفراد القرية .
وفي ليلة موحشة من ليالي يناير الباردة ، اختبأ كل أفراد القرية في منازلهم - كعادتهم في كل ليلة – خوفاً من الذئاب المفترسة والبرد الشديد ، فإذا بهم يسمعون صوت مناد من بعيد يصرخ بأعلى صوته ، صرخاته تتتابع واحدة تلو الأخرى ، يصرخ بكل فرح ويطرق أبواب أهل القرية ، وينادي ابشروا يا شعب فقابوس جاء ، اجتمع أهل القرية أمام مذياع العم مسعود ، وتراقصت النفوس في ذلك اليوم فرحا ؛ لسماع صوت جلالة السلطان ، فها هو القاضي ناشر العدالة قد قدم ، الجميع يصرخ : " ستتبدل عمان ، ستنفذ الوعود ، سنطير في سماء عمان فرحا ، أخيراً ستتحقق أمانينا التي كدنا ننساها ، فقد حلمنا بها منذ سنوات عديدة ، ولم يتحقق أي منها . " فبصيص الأمل الذي كانوا قد تمسكوا به قد لاح أخيرا ، وتباشير المنى لاحت ، عبر العمانيون عن فرحتهم الشديدة في تلك الحقبة من الزمن ، بالأهازيج والأغاني والرقصات الشعبية ، ففي23 يوليو 1970 ارتدت عمان ثوب الفرح ، وتبدلت الأحوال من أسوأها إلى أجملها ، بدأت عمان تبهر العالم خطوة تلو الخطوة ، حتى اصبح لعمان حكاية في تاريخ العالم ، فقابوس البطل انتشلهم من ظلمات الفقر والجوع ، فبعودة قابوس انطوى زمن الحرمان ، وتبدلت صفحة الحزن بصفحة الفرح ، عاد جميع العمانيين المغتربين إلى دول الخليج ؛ ليعيشوا وسط أهلهم وأصحابهم ، فمحمد أخو حمد قد رجع من زنجبار، هو وعائلته ليعيش في بيت والده سعيد ، بدأت بذور عمان تنمو من جديد ، وبعد مرور فترة من الزمن ما يقارب سنة أو أكثر ، استطاع أهالي القرية بناء منازل جديدة لهم من الطين والصاروج ؛ ليتمكنوا من العيش فيها فمنازلهم القديمة كانت مصنوعه من خامات النخيل الفقيرة ، فسيأتي يوم وستسقط تلك الأسقف على رؤوس أصحابها ، فحمد وفاطمة قاموا بترميم منزلهم المصنوع من الخشب ، حتى تحول إلى منزل جديد جميل ، تملأه البساطة والتراث العماني العريق ، بيت صغير يتكون من غرفتين ، ومطبخ صغير لفاطمة ، فهذا ما استطاع حمد بناءه ، فأهالي القرية دائما ما يرددون :" بأن الوسع في القلوب لا في البيوت ". عاش الاثنان وأهل القرية في سعادة غامرة ، فأمانيهم تتحقق واحدة تلو الأخرى ، أصبحت لديهم العديد من الخدمات التي كانوا يفتقرون إليها من قبل ، بنيت مدرسة في القرية تعلم فيها العديد من أطفال القرية ، فكانت فاطمة معلمة للتربية الإسلامية في تلك المدرسة ، وبعد المدرسة بنيت عيادة صغيرة لأهل القرية فعاش العمانيون في أفراح متتالية ، وفي أحد الأيام رجعت فاطمة إلى منزلها لترتاح ، بعد ان قضت يوما متعبا في شراء بعض الحاجيات القديمة والتراثية من سوق بلدة سناو ؛ فهي تود ارتداء الزي العماني التقليدي الذي تشتهر به محافظة الشرقية في عرس ابنة عمها حنان ، وحينما بدأت الشمس في الغروب مودعة يومها ، ذهبت فاطمة إلى العرس ، وهي ترتدي الخلخال وبعض الأساور التقليدية - كالبنجري المشوك - و الأقراط التقليدية التي تتراقص بين أذنيها ، المعرس يدخل بدشداشته البيضاء والخنجر العماني ، وأخذ زوجته الجميلة حنان ، التي كانت في أجمل حللها بارتداء الزي العماني والذهب ، انتهى العرس وذهب كل في حال سبيله ، رجعت فاطمة إلى منزلها ، فوجدت زوجها حمد مازال يصلح العطل في مقبض باب المنزل ، فهو لم يذهب إلى العرس لإصلاحه ، ذهبت فاطمة مسرعة إلى المطبخ ، فأحضرت صحن العيش واللحم الذي أحضرته من عرس حنان ويعقوب وقدمته لزوجها ؛ ليسد جوعه منه وأكل الاثنان إلى حد الشبع .
وبعد عدة أيام تزين منزل حمد وفاطمة الصغير بقناديل الفرح ، بعد أن علموا بأن فاطمة تحمل جنين في احشائها ، وأخيرا سيرزقان طفلا جميلا ، ليملأ الهدوء الذي يسود ارجاء منزلهم الصغير ، بعد فقدانهم لابنتهم الصغيرة سعاد فهي أول مولودة لهما ولكنها توفيت بسبب مرض الجدري الذي انتشر في ارجاء القرية ، مرت الأشهر والاثنان يتجهزان لمولودهما الجديد ، فقامت فاطمة باستقبال العديد من الهدايا الرائعة لطفلها - قبل قدومه - فعائشة جارتها قامت بغزل ملابس جميلة جدا من الصوف لابن فاطمة ، وصفية خالتها اعطتها ملابس ابناءها التي لم تعد في حاجة إليها ، - فهن دائما اعتدنا على تبادل ملابس ابناءهن اللاتي لم يحدث لهن اي تغيير أو ضياع - .
وفي ليلة قاتمة من ليالي ديسمبر شعرت فاطمة بألم شديد ، تبين لها بأنه ألم المخاض ، فجاءت عائشة جارتها إليها ، ووصلت جدتها نعيمة أخيرا لتوليدها ، بعد ساعة من الزمن أو أكثر سمع حمد الذي يجلس في الخارج ، صوت بكاء طفل فرح بشدة وسجد لربه شاكرا على النعمة ، رزق الاثنان بطفل وسيم سموه (حاتم )، وانتهت فاطمة من فترة النفاس ، وبعد أشهر قليلة بدأ شهر رمضان الكريم - أجمل شهور السنة - يجتمع الجميع فيه على مائدة الطعام ؛ ليأكلون أشهى وألذ الأكلات من ايادي نسائهم ، وفي أواخر شهر رمضان ذهب رجال القرية لاستطلاع رؤية هلال العيد ، فرح الجميع لقوم العيد ، ولكن هناك حزن كبير يملأ قلوبهم لأنهم سيودعون شهر رمضان ، وفي أول أيام عيد الفطر المبارك ، استيقظ جميع أهل القرية بكل فرح قبل طلوع الشمس ، فقام الجد سعيد وابنه الكبير محمد بتحضير العرسية اللذيذة - الأكلة الرسمية في العيد - والجدة شمسة وابنتها فاطمة تقومان بتحضير الصلصة الترشة للعرسية ، وبنات العائلة يقمن بتحضير اشهى الحلويات للضيوف ، انتهت العائلة من أكل العرسية ، وذهب الرجال لأداء صلاة العيد في المصلى ، وبدأت النساء بتجهيز اطفالهن للعيد ، واجتمعت عائلة الجد سعيد في بيته ليتبادلون تهاني العيد ، وزيارة الأقارب والجيران ، فجمع الأطفال العيدية ممن هم أكبر منهن سنا ، فأنتهى اليوم الاول للعيد ، وفي صباح اليوم الثاني اتجه الجد سعيد وأبناءه وأحفاده لذبح ثور العيد ، وتقطيع اللحم اللذيذ وشويه ، وقام حمد وأخوه ناصر بدفن الشواء ، وبهذا انتهت أيام عيد الفطر المبارك .
وبعد مرور سنة ، احتفلت العائلة بمناسبة اكمال حاتم لعامه الأول فأقيم ( الحول حول ) في منزل الجد سعيد ، فحظر أطفال القرية فرحين مسرورين بهذه المناسبة .
وفي ذات يوم مشمش حار شعر الجميع بأن هناك خطر قادم إليهم ، فهطلت أمطار غزيرة سالت على أثرها العديد من الأودية ، حتى زاد منسوب المياه ففاضت الأفلاج ، كانت الأمطار محملة بالبرد والرياح الشديدة ، التي اقتلعت الأشجار وهدمت المباني ، وبهذه الحادثة المأساوية انتهت حياة فاطمة وحمد ، وتركوا أروع ما كانوا يملكون – حاتم – فكان يوم مظلم للقرية دفنت فيه أعز ما تملك .
وبعد مرور العديد من السنوات ، اتكأ الجد سعيد على عصاه المتعرج ، وحاول فرش الحصير للجلوس عليه تحت شجرة الغاف الكبيرة ، التي تقع بجوار منزله الطيني المرمم ، فما إن لامست عصاه الأرض حتى سمع صوت منادي ينادي عليه من بعيد ، جدي سعيد جدي فنظر إليه بنظرة خوف واستغراب من المجهول ، وإذا به يرى حفيده حاتم المغترب لدراسة الطب في ايرلندا قد عاد ، فقام بدون أن يشعر أنه لم يتكئ على عصاه ، وحضن حفيده بكل شوق وحب ، - فحاتم غاب عن الوطن قرابة سنتين أو أكثر - فالجد سعيد فرح بشدة بمناسبة قدوم حفيده حاتم ، فأعلن عن عزيمة عشاء في بيته ، وذبح فيها ثوره ، اجتمع أهل القرية لهذه المناسبة السارة وتبادلوا فيها أطراف الحديث ، فهي فرصة لكي يجتمعوا وقال أحد كبار السن:" لولا وجود الله والسلطان لما كنا هنا , فقابوس هو الذي علمنا المعنى الحقيقي للحرية والحب والإخاء ، لولاه لكنا الآن في كومة من الفقر نصارع الجوع وندفن موتانا بسبب الأوبئة والأمراض , فعمان شمعة لن تنطفي ".عند ذاك وقف حاتم ليقرأ بعض الكلمات التي كتبها و هو في أرض الغربة معبرا عن مدى حبه لعمان .
" عمان يا حب سرمدي ستظلين باقية في قلوبنا ، سيظل حبك يسري في دمائنا ، ستبقين الحب الخالد الذي لن يغيره الزمن ، سنصونك ونحفظك يا درة لا مثيل لها وعد علينا بأن نضحي من أجلك فأرواحنا فداك وعاداتنا وتقاليدنا ستكون رمز للعزة نتباهى بها أمام الشعوب الأخرى ، فكلنا سنكون يدا واحدة من أجل عمان أجمل " .